عذراً عزيزي القاريء كان من الطبيعي ان نتحدث عن ذكري نصر اكتوبر 73 والتي مازالت آثارها ونتائجها تترك بصماتها علي منطقة الشرق الأوسط ،ودول المنطقة ، أو نتابع معا تداعيات مبادرة ترامب لحل أزمه غزه، وغيرها من الملفات المعنيه بالشأن الداخلي او الإقليمي لكن الإنذار الأحمر الذي أطلقته وزارتي الزراعه والري السودانية والمعني بتخطي مناسيب مياه النيل بالسودان للارتفاع القياسي بالارتفاع ،وذلك على طول الشريط النيلى لفيضانات اجتاحت 16 ولاية سودانية, وفاقت معدلات خسائرها فيضانات مماثلة ضربت السودان من قبل نتيجة لما قامت به حكومه أديس أبابا من اطلاق المياه خلف السد الإثيوبي دون التنسيق أو اخطار دولتي المصب بما تنوي أن تفعله ،حيث فاجأت السودان بهذا القرار الأمر الذي أدي الي إطلاق "الإنذار الأحمر " وهو ما يعني ارتفاع حجم الخطر علي السودان الي الحد الأقصى ،و تابعه الجميع عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي ،جعلنا نرغب في تخصيص هذه المساحة لهذه القضية ،والمعروف ان السودان دائما يعاني من موسم فيضان النيل خلال شهري اغسطس وسبتمبر ، من كل عام خاصة في الفيضانات العاليه،والتي قد تودي بحياة العشرات وتلحق أضرارا بالمنازل والحقول الزراعية, يضاف اليها تداعيات ظاهرة التغيرات المناخية غير المسبوقة والتي قد تسبّب في حدوث فيضانات متتالية، السودان في السابق كانت قادره قبل انشاء السد الأثيوبي علي التعامل معها علي مدار التاريخ وذلك بالتنسيق مع مصر(الهيئة الفنية المصرية السودانيه المشتركة لمياه النيل منذ عام 59 ).
وبتفاصيل أكثر قيام السلطات الإثيوبية بصرف نحو 730مليون م ٣من بحيرة سد النهضة يوميا لإزالة الخطر على جسم السد وتوربيناته بعدما امتلأت البحيرة للحد الأقصى للتخزين خلال الافتتاح بتشغيل السد , وتزامن ذلك مع قرب نهاية موسم الفيضان في سبتمبر، جعل السيطرة على مناسيب النيل أكثر تعقيداً ووضع السودان أمام تهديد كارثي محتمل, وأصبح السؤال حول كيفية تمرير كل هذه الكميات دون إلحاق ضرر بالمنشآت والأراضى السودانية؟
..هذا الإنذار الأحمر يقودنا الي الدخول في التفاصيل لنكشف الرؤية الاستراتيجية للرئيس السيسى منذ بداية أزمه السد الإثيوبي وتعامله معها بحكمه غير عادية،وذلك بشهاده جميع الخبراء والمعنيين بهذا الملف الشائك " كان هناك دائما محاولات لاستغلاله في الضغط علي القرار السيادي للدوله المصرية " وفي نفس المكان في أبريل العام الماضي تحدثنا ،وقلنا بالنص..( يحسب للرئيس السيسي منذ توليه مسئوليه اداره البلاد انه يتعامل مع المشكلات المزمنه ،والمتوارثة علي مدار عقود طويلة بالدولة المصرية بأسلوب وضع الحلول الجذرية والحاسمة لها من خلال خطط يعمل علي تنفيذها دون تراجع أو توقف تحت ايه ظروف تتعرض لها البلاد سواء من الداخل أو الخارج ،ولنا نماذج كثيرة في هذا الإطار ،ولكن ما يهمنا هنا كيفية تعامله مع التحديات المائية بداية من أزمة السد الإثيوبي ،ونجاحه في توقيع إعلان المبادئ الخاص بالسد والذي أعطي لأول مره في تاريخ التعاون بين مصر وإثيوبيا "البعد السياسي الحقيقي لهذا التعاون "-رغم اعتراض البعض في ذلك الوقت- إلا أن تجربة التفاوض في هذا الملف أكدت اهميه هذا الإعلان وكان أساس التفاوض حتى الان بما في ذلك قرار مصر بايقاف التفاوض)
النقطة الثانية في التفاصيل أن الرئيس السيسي لم تكن تصرفاته في هذا الملف رد فعل بقدر ما كانت مدروسة خطوة بخطوة ،ووضع السيناريوهات الاسوأ وتعامل علي أساسها مدركا حجم المؤامرات التي تحاك للدوله المصرية في هذا الملف بصفة خاصة باعتباره "ملف وجودي" لا يقبل إنصاف الحلول بقدر ما يتطلب الحسم ووضوح الرؤيه (كلنا جميعا نتذكر تعليق الرئيس في احتفالية شعبية باستاد القاهرة عندما شعر ان هناك شائعات لزرع البلبلة بين الشعب المصري حوّل هذا الموضوع قائلا بطلوا فتي وضحك من قلبه كما يقول المصريين) فعلا كل شيء مدروس ،ومخطط لم يترك شيئا للصدفة كعاده قاده القوات المسلحه "التعامل مع الاسوأ ووضع خطط المواجهة ،هكذا تعلموا في الأكاديميه العسكريه ،وهكذا تعلموا في وحداتهم العسكريه علي مدار مدة خدمتهم "
كيف كان ذلك؟ أقول ببساطة نراجع المشروعات التي قامت مصر بتنفيذها علي مدار السنوات الماضية ..بداية من التعامل مع أخطار السيول مرورا بمواجهة العجز المائي للبلاد انتهاءا بمواجهة اخطار التغيرات المناخية، ومواجهة الفيضانات العاليه او حدوث مشكله في السد الإثيوبي ،وبالارقام.. أعمال الحمايه من اخطار السيول باستثمارات تخطت الـ 4 مليار جنيه خلال 6سنوات ،1.3مليار جنيه لنقل المياه لزراعه شرق القناه ومعالجه مياه المحسمه ب 4.5 مليار جنيه،وإنشاء محطة الحمام لمعالجة 7.5 مليون م3يوميا من الصرف الزارعي وانفاق نحو 31.4مليون دولار لتعزيز التكيف مع التغيرات المناخية ومواجهة إرتفاع منسوب البحر ،وكذلك تأهيل 20 الف كم من الترع حتى نهاية 2024 بتكلفة 80 مليار جنيه،وأعمال حماية للسواحل الشمالية المصرية بأطوال 69 كم في محافظات بورسعيد ودمياط والدقهلية وكفر الشيخ والبحيرة
هنا لابد من التأكيد ايضا علي المشروعات المائية التي نفذت سواء في توشكي (الفرع الرابع لقناه الشيخ زايد جنوب الوادي) يضاف اليهم مفيض توشكي الذي يصب في منخفضات توشكي الأربعة،والقادره علي استيعاب اكثر من 50مليار م3 من مياه فيضان النيل العالي - يضاف اليهم المشروعات التي تستطيع توزيع مياه الفيضانات العاليه دون أن تتسبب في خسائر بشرية وماديه تترك آثارها علي المواطنين - هذا ما نشهده حاليا يضاف اليه سوء نيه الجانب الأثيوبي لتغطية فشله في اداره وتشغيل السد مما أدي الي قيامه بالتخزين الكامل دون أن تكون توربينات الكهرباء به تعمل حتي بالحد الادني لها مما جعله يصرف المياه التي عمل علي تخزينها علي مدار السنوات الأخيرة لحماية جسم السد من الانهيار .
بشكل عام يمكن القول أن هناك حرب استنزاف النيل مستمره ! حيث يتم استخدامه بين الحين،والآخر ( كسلاح ) وكلنا تابعنا التهديدات التي تتعرض لها مصر في ملف السدّ ،وبالمناسبه هذه التهديدات لن تتوقف والقيادة السياسية تدرك ذلك وتتعامل معه بالشكل المناسب وحققت ما تريد في هذه الحرب دون ان تطلق رصاصه واحده كما كان يريد اعدائها وكلنا نعلمهم .
ومن واقع الرصد لمرحلة الرئيس السيسي يمكن القول بل والتأكيد علي انها تمثل نقله نوعيه للتعامل مع قضايا المياه باعتبارها أساس التنمية والحياه لم تحدث منذ عهدي محمد علي وعبد الناصر ،بما اتخذه. من اجراءات وقرارات وتنفيذ مشروعات لتعظيم الاستفاده من كل قطره مياه في ظل محدودية الموارد المائيه للدوله المصريه وتزايد الطلب عليها باستمرار لتنفيذ الخطط التنموية،والتفاصيل هنا كثيره وفنيه لكن المساحه حاكمه .
نعود الي ما يحدث من آثار التحرك الأثيوبي من إطلاق المياه دون تنسيق مع دولتي المصب ،فمن وجهة نظر الكثيرين وانا منهم اعتقد انه يجب علي السلطات السودانية مطالبة الجانب الإثيوبي بتعويض المتضررين من الفيضانات التى جرفت منازلهم و محاصيلهم وأراضيهم,بعد أن أطلقت المياه من بحيرة السد دون تنسيق أو إبلاغ مسبق ,وكذلك المطالبة بفتح تحقيق دولى عاجل حول ضياع وتشريد ألاف الأرواح !!
أيضا عليها أن تطالب بإدارة مشتركة للسد، وإذا تم رفض ذلك، يمكن للخرطوم ان تطالب بالأرض التي يقام عليها السد باعتبارها أراضٍ سودانية منحت لإثيوبيا عام 1902 بشرط عدم إقامة منشأة مائية إلا بموافقة حكومة السودان,خاصة وأن تشغيل السد ساهم في تعقيد الوضع المائي، نتيجة غياب المعلومات الدقيقة حول التصريف، ما اضطر السلطات السودانية إلى الاعتماد على محطات القياس الداخلية بعد دخول المياه إلى البلاد،وهي ليست كافيه في مثّل هذه الحالات.
احلي تعبير ..رغم مرور اكتر من خمسة وخمسون عاما علي رحيل الزعيم جمال عبد الناصر إلا ان الكثير من المصريين يعتقدون أن الله جعل بناء السد العالي في عصره صدقة جارية له تزيد من حسناته رحمه الله، ولما لا حيث اثبتت الايام أن السد انقذ مصر ،مما تشهده السودان حالياً من اخطار فيضان النيل ،كما يساهم منذ انشائه، وحتي الآن في دفع عجلة التنمية للبلاد
خارج النص:
إن أزمة فيضانات السودان تكشف بوضوح حجم التهديدات الناجمة عن غياب التنسيق بين دول حوض النيل، خاصة النيل الأزرق، وفي ظل تعنت إثيوبيا في ملف السد ،كما توكّد صدق الرؤية المصرية التي أعلنتها من اليوم الاول، ومازالت تطالب بها ،ولن تتوقف لانها تتفق مع صحيح القوانين الدولية المعنيه بالانهار عابره الحدود وبالتالي علي الجميع أن يحذر من غضب المصريين لأن مياه النيل قصه وجود نكون أو لا نكون .
بقلم :
عصام الشيخ
[email protected]